
هناك في أعالي بلدية عين فزة
بتلمسان، حيث تزداد السماء صفاء، ويزداد الهواء انتعاشا وعذوبة، وتجد النفس الراحة
والسكون، وسط الجبال والمناظر الطبيعية الخلابة، تتواجد أيضا مغارات عين بني عاد،
هذه التحفة الربانية التي قل نظيرها في العالم،
تحفة من روعتها، تكاد تشبه الخيال، فقط، تخيل نفسك تسير لمسافات بعيدة، تحت
الأرض في أعماق مغارة، كانت وستظل مكانا للسحر والأسطورة.
ثالث مغارة في
العالم
تمتد المغارة على طول 700
متر، ويصل عمقها إلى 57 مترا، كما تستقر درجة حرارتها عند 13 درجة ثابتة صيفا
وشتاء، الغريب حسب المرشد السياحي هو أنه
الترقيم الوطني أيضا لولاية تلمسان، امتداد المغارة على مسافة كبيرة، أهلها لأن
تكون الثانية على مستوى العالم، بعد مغارة المكسيك، ولكن الأجمل والأروع على
الإطلاق، هو تنوع ديكورها، والتحف الفنية الطبيعية التي شكلتها الآلاف من الصواعد
والنوازل، التي هي عبارة عن صخور كلسية رسوبية تكونت من مياه الأمطار التي
تسقط على الأرض، وتسربت عبر الثقوب إلى داخل المغارة على شكل قطرات الماء المحمَّل
بالكلس مع ثاني أكسيد الكربون، ثم تتبخر وتنزل على الأرض بنفس التركيبة التي كانت
في السماء، فتكون صاعدة، ومع الزمن تتكون عدة صواعد، فتلتحم وتشكل أعمدة إعانة
للمغارة، علما أن كل سنتيمتر واحد، يتطلب 100 سنة، وبعكس الصواعد تتشكل النوازل
التي تشكل في مجملها سقف المغارة، وهناك نجد الوانا مختلفة، باختلاف التركيب
العضوي لأجزاء التربة على امتداد سطح المغارة.
أشكال غريبة
ومذهلة
يقول المرافق السياحي السيد
عبد الحق، أنه على كل انسان أن يفسح المجال لخياله، ويترك العنان له ليتأمل جمال
هذه المغارة وروعتها، ويفهم الأشكال الرائعة التي تشكلها نوازلها وصواعدها، حيث
بمجرد تجاوز مدخل المغارة، والنزول عبر
الممر، نجد أنفسنا أمام القاعة الأولى للمغارة، وهنا يطلب منا المرشد السياحي عبد
الحق، أن ننظر إلى سقف المغارة، لنجد شكلا غريبا للغاية، شكلته العشرات من الصواعد والنوازل، اختلف لونها بين
الأبيض والبني، والأسود، فكانت الصورة وكأنها عبارة عن واحة من أشجار النخيل، على
صحراء قاحلة، ثم شكلا آخر لغابة صنوبر، ولا يحتاج الأمر إلى كثير من التفكير أو
التأمل، بل يكفي أن تعرف مدلول الشكل، حتى تدركه مباشرة دون أدنى صعوبة، ولا تملك
حينها إلا أن تقول "سبحان الله"، والمغارة مقسمة إلى ثلاث قاعات، القاعة
الأولى منها، منقسمة إلى قسمين، وتتميز بكثافة الصواعد التي يزيد طولها عن 18 مترا،
الأمر الذي يعتبره مرشدنا نادرا جدا، كما يقال أن المغارة تحتوي على ممر يزيد طوله
عن 145 كلم، يصل إلى مغارة الحوريات بسيدي يحيى بالمغرب، مرورا بغار بومعزة بسبدو
جنوب تلمسان، وهو الممر الذي قامت القوات الفرنسية خلال ثورة التحرير المجيدة،
بإغلاقه، عبر الاستعانة بأكثر من 60 ألف متر مكعب من الإسمنت المسلح، لأجل إغلاقه،
ومنع المجاهدين من المرور عبره الى المملكة المغربية لجلب السلاح والمؤونة،
والمؤسف أيضا أنه لا يمكن إزالة ذلك الاسمنت المسلح بأي شكل كان، لأن ذلك من شأنه
أن يهدد الثروة الطبيعية للمغارة.
ممر سري للمجاهدين
تعد قاعة الملك، القاعة
الثانية في المغارة، سميت بهذا الاسم،
نظرا لوجود نوازل وصواعد، شكلت ما يشبه عرش الملك، وغير بعيد عنها نجد
مباشرة قاعة السيوف، التي يعود أصل تسميتها، حسبما أخبرنا به المرشد السياحي
ابراهيم عبد الحق، إلى حدة نوازلها وبياضها الشديد، وكأنها سيوف عربية أصيلة وحادة
فعلا، كما نجد فيها كذلك، قاعة المجاهدين، وفيه ممر سري كانوا يخرجون ويدخلون منه
إلى المغارة، التي تعرضت للتفجير من قبل السلطات الاستعمارية سنة 1957، وتسبب
التفجير في تخريب كبير بالمغارة، ولا تزال الصواعد التي تساقطت على الأرضية شاهدة
على التفجير.
وعبر القاعات الثلاث، تتوالى
الصور والأشكال التي شكلتها الصواعد والنوازل على امتداد مئات وآلاف السنين، فنجد
حينا، رأس جاموس، وحينا آخر،
رأس فيل، أو أفعى من نوع
الكوبرا، وحتى جملا جالسا بحدبته، وآخر وكأنه يحمل على ظهره هودجا، كما أننا نجد
أيضا شكلا لبرج بيزا المائل في ايطاليا، وأيضا شكلا لتمثال الحرية، في أمريكا،
وكلها صور ونسخ طبق الأصل عن الصور والأشكال الأصلية، وقد وضع المشرفون على
القاعة، أضواء حمراء صغيرة، مسلطة على الأشكال الغريبة والملفتة التي توجد
بالمغارة، لأجل توضيحها للزوار، يقول المرشد السياحي عبد الحق، أن سر تحديد أشكال
الصواعد والنوازل، يعود إلى مخيلة المشرفين على القاعة، ويعتمد أيضا على آراء بعض
المختصين، وحتى من المواطنين والزوار، ويتم اعتماد الشكل الذي وقع عليه الاجماع،
كي يكون هو الشكل الذي حددته تلك النوازل والصواعد.
وفي
قاعة أخرى نجد شكل امرأة تحمل ابنها، وشكلا آخر لرأس الفيسلوف الاغريقي سقراط،
ينظر إلى أعلى منه قليلا، وبتتبعنا ما ينظر إليه نجد صاعدة، عالية تشرف على كل ما
في القاعة، وتتخذ صورة إمام يؤذن للصلاة، حسب السيد عبد الحق، فإن ذلك آية من آيات
الله عز وجل، أن الفلسفة هي التي تتبع الدين، وتسير خلفه دائما، وأنه الأعلى
والأبقى، والمثير للحيرة أيضا، الذي يبعث القشعريرة في النفس، هو أن اتجاه الإمام
هو نفسه اتجاه القبلة.
كنز طبيعي بحاجة لمزيد من الاهتمام
تستقطب
هذه المغارات الكثير من الزوار والسياح، من داخل مدينة تلمسان وخارجها، حيث تعد
مكانا مناسبا للعائلات لاكتشاف هذه التحفة الطبيعية الربانية، وايضا للاستمتاع
بالمساحات الخضراء واماكن اللعب خارج المغارة، حيث يتوفر الجو المناسب، الهادىء،
والجو المنعش، والنظيف، الذي من شأنه ان
يجعل الزوار، ينالون قسطا كبيرا من الراحة الجسدية والنفسية، خاصة، اذا ما تم ت
تهيئتها من طرف السلطات المعنية، وحمايتها، وتصنيفها كتراث طبيعي وطني وعالمي، و
العمل على التعريف بها، والترويج لها سياحيا، حيث انها تضم الكثير من الكنوز
الطبيعية، التي لا تتوفر في اية مغارة اخرى في العالم، ومن شان ذلك، ان يجعلها محط
اهتمام السياح الاجانب والمحليين، وكذا المكتشفين، وهواة هذه مثل هذه المناطق
الطبيعية الساحرة، مع العمل كذلك، على اقامة بعض المرافق الخدماتية الهامة في محيط
المغارة، التي من شانها تلبية حاجيات الزوار، وتوفير راحتهم.
0 التعليقات:
إرسال تعليق