شرفات غوفي بالجزائر ..سحر الطبيعة الصحراوية



مكان يجمع بين سحر الطبيعة الصحراوية الخلابة، وعبق الماضي الدفين، وأنت تقف مطلا عليه، تماما كما تطل من شرفة ما، تجد نفسك تسافر لاشعوريا قرونا بعيدة عبر الزمن، لتطارد حضارة إنسانية مرت ذات حقبة من هنا، ومضت، لتترك خلفها آثارا قمة في الروعة والجمال، تجبرنا على التوقف عندها لنتأمل ابداع وذكاء من سكنوها قبل مئات السنين، حيث لم تقف الطبيعة بكل جبروتها عقبة أمامهم، بل هم من روضوها وجعلوها طوع ايديهم، ليمضوا ويتركوا لنا من بعدهم لحظات الانبهار والذهول، لحظات للسكينة و التامل، و التفكر في هؤلاء الذين لم يملكوا من وسائل الحداثة شيئا، ولكنهم ملكوا الطبيعة وملكوا الارض التي خلدت آثارهم وحفظتها، لتبقى شاهدة تروي لنا حكاياهم، واساطيرهم، وقصص ملوكهم وامرائهم، وروايات ملكاتهم واميراتهم، وقبائلهم....
هي إذن شرفات غوفي، بأقصى بلدية غسيرة بين مدينتي بسكرة وباتنة، حيث يمر واد الأبيض (أو إغزر أملال بالأمازيغية)، وتقع قرية غوفي فوق تلة على ارتفاع ما بين 500 متر و 1200 متر تبعا للموقع.
عيون "السياحية" وقفت بهذا المكان البديع، لتنقل لكم مشاهد لا يمكن ان تجدوها الا في افلام الخيال، ولكنها في الواقع اثار وشواهد لا تزال قائمة الى اليوم، تستقطب مئات الزوار و السواح من داخل وخارج الوطن، وتستوقف كل المارين بالمكان، ولا يمكن مقاومة ذلك السحر العجيب، القادم من اسفل وادي سحيق، يقال ان اصله يعود الى بحيرة ضخمة كانت متواجدة في الماضي بالمنطقة، وقد رسمت مستويات المياه فيها تموجات  لا تزال واضحة الى اليوم، وبمرور الزمن جفت تلك البحيرة العميقة، تاركة فضاء سحيقا، اختاره السكان الاوائل للمنطقة، مكانا لبناء منازلهم الترابية، التي جاءت على شكل شرفات، اطلق عليها فيما بعد اسم "شرفات غوفي"، اما ضفاف الوادي المعروف باسم واد أبيوض اغزر املال فغرست فيه اشجار الرمان و الزيتون، وكذا اشجار النخيل، ومختلف انواع الخضر و الفواكه، و القمح و الشعير، لدرجة ان اهالي المنطقة القدامى، استغنوا تماما عن المحيط الخارجي، وانعزلوا في ها المكان، ولم يكونوا ليفكروا بالخروج منه، حتى ان بعض العارفين بخبايا المكان، اكدوا ان السكان القدامى، كانوا يستعمولن نوعا من الحبال او السلالم، عند رغبتهم بالخروج من قريتهم الى السطح، وهو ما لم يكن يتم الا في النادر جدا.
ويقول احد أبناء المنطقة، الذي حاول الاستثمار فيها باقامة مطعم ومكان لاستراحة السياح و الزوار، ان كلمة "غوفي"  تعني بالامازيغية "أُثفلوس" او "بني الأهلة"، نسبة الى الاخاديد التي حفرتها العوامل الطبيعية بالمكان، وتشبه الاهلة في شكلها، وتشكلت شرفات غرفي من 6 قرى هي: قرية هيتشلط، آثيحي، آثمنصور، آثميمون، آثفاتح، آثورياش، واستمر احفاد وابناء تلك القرى من عروش المنطقة في الاقامة بهذا المكان الى غاية نزوح اخرهم سنة 1975، كما استغلت السلطات الاستعمارية المكان، لما وجدت فيه من جمال طبيعي اخاذ، وبنت فيه ما يشبه اقامات للفنانين، و الاثرياء، الذين كانوا يقصدونه  للاستلهام  من مناظهر المذهلة، وانجاز اعمال فنية مميزة وفريدة، لا يمكن ان يستلهم ابداعها الا في هذا المكان.
ونجد بشرفات غوفي، خيمة اوراسية جميلة، ومحلات لبيع مختلف انواع التحف و الصناعات التقليدية، من الزرابي، و الاواني الفخارية، و الحلي التقليدية، وبعض انواع الالبسة وغيرها من المقتنيات التذكاريية التي يمكن ان يقتنيهاالسائح او الزائر لشرفات غوفي، ومن اهم هذه المقتنيات، حسب صاحب الخيمة السيد "زغدود حشاني" الذي عشق هذا المكان، لدرجة انه تحدى كاافة الظروف والعوامل، واقام فيه استثماره، من اجل استقبال السياح وتعريفهم بالمنطقة، وهو ما يقوم به بنفسه، باعتباره من ابناء المنطقة، وملم بالكثير من اسرارها وخباياها، نوع من الحجارة يطلق عليه اسم "الكوارتز"ن وهي عبارة عن اشكال مختلف الاحجام والاصناف، من حجارة لا تستخرج الا من هذا المكان، أي من الوادي الابيض، الطي  تقع على ضفافه شرفات غوفي، وهي احجار غاية في الروعة و الجاذبية، تبهر بلمعانها والوانها الجميلة الاعين، وهي دليل جيولوجي للمنطقة حسب السيد زغدود، الذي يؤكد انها عبارة عن ترسبات من المعادن كالزنك والنحاس والرصاص تحولت بفعل السنين إلى حجارة مضيئة وشديدة اللمعان وبأشكال جذابة تستعمل في الديكور، ويقتينها الكثيرون كذكرى من المكان، الى جانب مختلف الصناعات التقليدية الاخرى الموجودة،  مثل الزربية وحنبل الشعر والقصعة والطاجين وغيرها.


أشترك ليصلك كل جديد!

تابعنا!

0 التعليقات:

إرسال تعليق